الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: ( ولا الربى, ولا الماخض ولا الأكولة ) قال أحمد: الربى التي قد وضعت وهي تربي ولدها يعنى قريبة العهد بالولادة تقول العرب: في ربابها كما تقول: في نفاسها قال الشاعر: حنين أم البو في ربابها ** قال أحمد: والماخض التي قد حان ولادها فإن كان في بطنها ولد لم يحن ولادها, فهي خلفة وهذه الثلاث لا تؤخذ لحق رب المال قال عمر لساعيه: لا تأخذ الربى ولا الماخض ولا الأكولة ولا فحل الغنم وإن تطوع رب المال بإخراجها جاز أخذها, وله ثواب الفضل على ما ذكرنا في حديث أبي بن كعب وإذا ثبت هذا وأنه منع من أخذ الرديء من أجل الفقراء, ومن أخذ كرائم الأموال من أجل أربابه ثبت أن الحق في الوسط من المال قال الزهري إذا جاء المصدق قسم الشياه أثلاثا: ثلث خيار وثلث أوساط وثلث شرار, وأخذ المصدق من الوسط وروى نحو هذا عن عمر ـ رضي الله عنه ـ وقاله إمامنا وذهب إليه والأحاديث تدل على هذا, فروى أبو داود والنسائي بإسنادهما عن سعد بن دليم (قال: كنت في غنم لي, فجاءني رجلان على بعير فقالا: إنا رسولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إليك لتؤدي إلينا صدقة غنمك قلت: وما على فيها؟ قالا: شاة فعمد إلى شاة قد عرف مكانها ممتلئة مخضا وشحما, فأخرجها إليهما فقالا: هذه شافع وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نأخذ شاة شافعا) والشافع: الحامل سميت بذلك لأن ولدها قد شفعها والمخض: اللبن (وقال سويد بن غفلة: سرت, أو أخبرني من سار مع مصدق رسول الله فإذا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن لا نأخذ من راضع لبن قال: فكان يأتي المياه حين ترد الغنم فيقول: أدوا صدقات أموالكم قال: فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء وهي العظيمة السنام, فأبى أن يقبلها) رواه أبو داود والنسائي وروى أبو داود بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده, وأنه لا إله إلا هو وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام, ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة, ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره, ولم يأمركم بشره) رافدة: يعني معيبة والدرنة: الجرباء والشرط: رذالة المال. قال: ( وتعد عليهم السخلة, ولا تؤخذ منهم ) السخلة بفتح السين وكسرها: الصغيرة من أولاد المعز وجملته أنه متى كان عنده نصاب كامل فنتجت منه سخال في أثناء الحول وجبت الزكاة في الجميع عند تمام حول الأمهات, في قول أكثر أهل العلم وحكى عن الحسن والنخعي لا زكاة في السخال حتى يحول عليها الحول ولقوله عليه السلام (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) ولنا ما روى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه, ولا تأخذها منهم وهو مذهب على ولا نعرف لهما في عصرهما مخالفا فكان إجماعا, ولأنه نماء نصاب فيجب أن يضم إليه في الحول كأموال التجارة, والخبر مخصوص بمال التجارة فنقيس عليه فأما إن لم يكمل النصاب إلا بالسخال احتسب الحول من حين كمل النصاب, في الصحيح من المذهب وهو قول الشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أنه يعتبر حول الجميع من حين ملك الأمهات وهو قول مالك لأن الاعتبار بحول الأمهات دون السخال فيما إذا كانت نصابا وكذلك إذا لم تكن نصابا ولنا, أنه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب الزكاة فيها كما لو كملت بغير سخالها, أو كمال التجارة فإنه لا تختلف الرواية فيه وإن نتجت السخال بعد الحول ضمت إلى أمهاتها في الحول الثاني وحده والحكم في فصلان الإبل, وعجول البقر كالحكم في السخال إذا ثبت هذا فإن السخلة لا تؤخذ في الزكاة لما قدمنا من قول عمر, ولما سنذكره في المسألة التي تلي هذه ولا نعلم فيه خلافا إلا أن يكون النصاب كله صغارا, فيجوز أخذ الصغيرة في الصحيح من المذهب وإنما يتصور ذلك بأن يبدل كبارا بصغار في أثناء الحول, أو يكون عنده نصاب من الكبار فتوالد نصاب من الصغار ثم تموت الأمهات, ويحول الحول على الصغار وقال أبو بكر لا يؤخذ أيضا إلا كبيرة تجزئ في الأضحية وهو قول مالك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- (إنما حقنا في الجذعة) أو الثنية ولأن زيادة السن في المال لا يزيد به الواجب كذلك نقصانه لا ينقص به ولنا قول الصديق ـ رضي الله عنه ـ والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليها فدل على أنهم كانوا يؤدون العناق, ولأنه مال تجب فيه الزكاة من غير اعتبار قيمته فيجب أن يأخذ من عينه كسائر الأموال, والحديث محمول على ما فيه كبار وأما زيادة السن فليس تمنع الرفق بالمالك في الموضعين كما أن ما دون النصاب عفو وما فوقه عفو, وظاهر قول أصحابنا أن الحكم في الفصلان والعجول كالحكم في السخال لما ذكرنا في الغنم ويكون التعديل بالقيمة مكان زيادة السن, كما قلنا في إخراج الذكر من الذكور ويحتمل أن لا يجوز إخراج الفصلان والعجول وهو قول الشافعي كي لا يفضي إلى التسوية بين الفروض فإنه يفضي إلى إخراج ابنة المخاض عن خمس وعشرين, وست وثلاثين وست وأربعين وإحدى وستين, ويخرج ابنتي اللبون عن ست وسبعين وإحدى وتسعين ومائة وعشرين, ويفضي إلى الانتقال من ابنة اللبون الواحدة من إحدى وستين إلى اثنتين في ست وسبعين مع تقارب الوقص بينهما, وبينهما في الأصل أربعون والخبر ورد في السخال فيمتنع قياس الفصلان والعجول عليهما لما بينهما من الفرق. وإن ملك نصابا من الصغار, انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه وعن أحمد لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنا يجزئ مثله في الزكاة وهو قول أبي حنيفة وحكي ذلك عن الشعبي لأنه روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ليس في السخال زكاة) وقال: (لا تأخذ من راضع لبن) ولأن السن معنى يتغير به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد ولنا, أن السخال تعد مع غيرها فتعد منفردة كالأمهات, والخبر يرويه جابر الجعفي وهو ضعيف عن الشعبي مرسلا, ثم هو محمول على أنه لا تجب فيها قبل حول الحول والعدد تزيد الزكاة بزيادته بخلاف السن, فإذا قلنا بهذه الرواية فإذا ماتت الأمهات إلا واحدة لم ينقطع الحول, وإن ماتت كلها انقطع الحول. قال: ( ويؤخذ من المعز الثني ومن الضأن الجذع ) وجملته أنه لا يجزئ في صدقة الغنم إلا الجذع من الضأن, وهو ما له ستة أشهر والثني من المعز وهو ما له سنة فإن تطوع المالك بأفضل منهما في السن جاز, فإن كان الفرض في النصاب أخذه وإن كان كله فوق الفرض خير المالك بين دفع واحدة منه وبين شراء الفرض فيخرجه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه: لا يجزئ إلا الثنية منهما جميعا لأنهما نوعا جنس, فكان الفرض منهما واحدا كأنواع الإبل والبقر وقال مالك تجزئ الجذعة منهما لذلك, ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (إنما حقنا في الجذعة والثنية) ولنا على جواز إخراج الجذعة من الضأن مع هذا الخبر (قول سعد بن دليم: أتاني رجلان على بعير فقالا: إنا رسولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إليك لتؤدي صدقة غنمك قلت: فأي شيء تأخذان؟ قالا: عناق جذعة أو ثنية) أخرجه أبو داود ولنا ما روي مالك عن سويد بن غفلة, قال: (أتانا مصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال: أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز) وهذا صريح وفيه بيان المطلق في الحديثين قبله, ولأن جذعة الضأن تجزئ في الأضحية بخلاف جذعة المعز بدليل (قول النبي - صلى الله عليه وسلم- لأبي بردة بن نيار, في جذعة المعز: تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدك) قال إبراهيم الحربي إنما أجزأ الجذع من الضأن لأنه يلقح, والمعز لا يلقح إلا إذا كان ثنيا. قال ( فإن كانت عشرين ضأنا وعشرين معزا أخذ من أحدهما ما يكون قيمته نصف شاة ضأن ونصف معز ) لا نعلم خلافا بين أهل العلم في ضم أنواع الأجناس بعضها إلى بعض, في إيجاب الزكاة وقال ابن المنذر أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على ضم الضأن إلى المعز إذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من أي الأنواع أحب, سواء دعت الحاجة إلى ذلك بأن يكون الواجب واحدا أو لا يكون أحد النوعين موجبا لواحد, أو لم يدع بأن يكون كل واحد من النوعين يجب فيه فريضة كاملة وقال عكرمة ومالك وإسحاق يخرج من أكثر العددين فإن استويا أخرج من أيهما شاء وقال الشافعي القياس أن يأخذ من كل نوع ما يخصه اختاره ابن المنذر لأنها أنواع تجب فيها الزكاة, فتجب زكاة كل نوع منه كأنواع الثمرة والحبوب ولنا أنهما نوعا جنس من الماشية, فجاز الإخراج من أيهما شاء كما لو استوى العددان وكالسمان والمهازيل, وما ذكره الشافعي يفضي إلى تشقيص الفرض وقد عدل إلى غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من أجله فالعدول إلى النوع أولى فإذا ثبت هذا فإنه يخرج من أحد النوعين ما قيمته كقيمة المخرج من النوعين, فإذا كان النوعان سواء وقيمة المخرج من أحدهما اثنا عشر وقيمة المخرج من الآخر خمسة عشر, أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف وإن كان الثلث معزا والثلثان ضأنا, أخرج ما قيمته أربعة عشر وإن كان الثلث ضأنا والثلثان معزا, أخرج ما قيمته ثلاثة عشر وهكذا لو كان في إبله عشر بخاتي وعشر مهرية وعشر عرابية, وقيمة ابنة المخاض البختية ثلاثون وقيمة المهرية أربعة وعشرون وقيمة العرابية اثنا عشر, أخرج ابنة مخاض قيمتها ثلث قيمة ابنة مخاض بختية وهو عشرة وثلث قيمة مهرية ثمانية, وثلث قيمة عرابية أربعة فصار الجميع اثنين وعشرين وهكذا الحكم في أنواع البقر وكذلك الحكم في السمان مع المهازيل, والكرام مع اللئام فأما الصحاح مع المراض والذكور مع الإناث والكبار مع الصغار, فيتعين عليه صحيحة كبيرة أنثى على قدر قيمة المالين إلا أن يتطوع رب المال بالفضل, وقد ذكر هذا. فإن أخرج عن النصاب من غير نوعه مما ليس في ماله منه شيء ففيه وجهان: أحدهما يجزئ لأنه أخرج عنه من جنسه, فجاز كما لو كان المال نوعين فأخرج من أحدهما عنهما والثاني, لا يجزئ لأنه أخرج من غير نوع ماله أشبه ما لو أخرج من غير الجنس, وفارق ما إذا أخرج من أحد نوعي ماله لأنه جاز فرارا من تشقيص الفرض وقد جوز الشارع الإخراج من غير الجنس في قليل الإبل وشاة الجبران لذلك بخلاف مسألتنا. قال ( وإن اختلط جماعة في خمس من الإبل, أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم وكان مرعاهم ومسرحهم ومبيتهم ومحلبهم وفحلهم واحدا, أخذت منهم الصدقة ) وجملته أن الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان وهي أن تكون الماشية مشتركة بينهما, لكل واحد منهما نصيب مشاع مثل أن يرثا نصابا أو يشترياه أو يوهب لهما, فيبقياه بحاله أو خلطة أوصاف وهي أن يكون مال كل واحد منهما مميزا, فخلطاه واشتركا في الأوصاف التي نذكرها وسواء تساويا في الشركة, أو اختلفا مثل أن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون, أو يكون لأربعين رجلا أربعون شاة لكل واحد منهم شاة نص عليهما أحمد وهذا قول عطاء والأوزاعي والشافعي والليث وإسحاق وقال مالك إنما تؤثر الخلطة إذا كان لكل واحد من الشركاء نصاب وحكي ذلك عن الثوري وأبي ثور واختاره ابن المنذر وقال أبو حنيفة لا أثر لها بحال لأن ملك كل واحد دون النصاب, فلم يجب عليه زكاة كما لو لم يختلط بغيره ولأبي حنيفة فيما إذا اختلطا في نصابين أن كل واحد منهما يملك أربعين من الغنم, فوجبت عليه شاة لقوله عليه السلام: (في أربعين شاة شاة) ولنا ما روى البخاري في حديث أنس الذي ذكرنا أوله: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع, خشية الصدقة) وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " ولا يجيء التراجع إلا على قولنا في خلطة الأوصاف وقوله: لا يجمع بين متفرق إنما يكون هذا إذا كان لجماعة, فإن الواحد يضم ماله بعضه إلى بعض وإن كان في أماكن وهكذا لا يفرق بين مجتمع ولأن للخلطة تأثيرا في تخفيف المؤنة, فجاز أن تؤثر في الزكاة كالسوم والسقي وقياسهم مع مخالفة النص غير مسموع إذا ثبت هذا فإن خلطة الأوصاف يعتبر فيها اشتراكهم في خمسة أوصاف: المسرح والمبيت, والمحلب والمشرب والفحل قال أحمد: الخليطان أن يكون راعيهما واحدا, ومراحهما واحدا وشربهما واحدا وقد ذكر أحمد في كلامه شرطا سادسا وهو الراعي قال الخرقي: " وكان مرعاهم ومسرحهم واحدا " فيحتمل أنه أراد بالمرعى الراعي, ليكون موافقا لقول أحمد ولكون المرعى هو المسرح قال ابن حامد: المرعى والمسرح شرط واحد وإنما ذكر أحمد المسرح ليكون فيه راع واحد, والأصل في هذا ما روى الدارقطني في " سننه " بإسناده عن سعد بن أبى وقاص, قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة,) والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي " وروى " المرعى " وبنحو من هذا قال الشافعي وقال بعض أصحاب مالك: لا يعتبر في الخلطة إلا شرطان: الراعي والمرعى لقوله عليه السلام: " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق " والاجتماع يحصل بذلك ويسمى خلطة, فاكتفى به ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم- : (والخليطان: ما اجتمعا في الحوض والراعي والفحل) فإن قيل: فلم اعتبرتم زيادة على هذا؟ قلنا: هذا تنبيه على بقية الشرائط وإلغاء لما ذكروه, ولأن لكل واحد من هذه الأوصاف تأثيرا فاعتبر كالمرعى إذا ثبت هذا فالمبيت معروف وهو المراح الذي تروح إليه الماشية قال الله تعالى: فإن كان بعض مال الرجل مختلطا, وبعضه منفردا أو مختلطا مع مال لرجل آخر فقال أصحابنا: يصير ماله كله كالمختلط, بشرط أن يكون مال الخلطة نصابا فإن كان دون النصاب لم يثبت حكمها فلو كان لرجل ستون شاة, منها عشرون مختلطة مع عشرين لرجل آخر وجب عليهما شاة واحدة ربعها على صاحب العشرين, وباقيها على صاحب الستين لأننا لما ضممنا ملك صاحب الستين صار صاحب العشرين كالمخالط لستين فيكون الجميع ثمانين عليها شاة بالحصص ولو كان لصاحب الستين ثلاثة خلطاء, كل واحد منهم بعشرين وجب على الجميع شاة نصفها على صاحب الستين, ونصفها على الخلطاء على كل واحد منهم سدس شاة ولو كان رجلان لكل واحد منهما ستون فخالط كل واحد منهما صاحبه بعشرين فقط, وجب عليهما شاة واحدة بينهما نصفين فإن اختلطا في أقل من ذلك لم يثبت لهما حكم الخلطة ووجب على كل واحد منهما شاة كاملة وإن اختلطا في أربعين, لواحد منهما عشرة وللآخر ثلاثون ثبت لهما حكم الخلطة لوجودها في نصاب كامل. ويعتبر اختلاطهم في جميع الحول, فإن ثبت لهم حكم الانفراد في بعضه زكوا زكاة المنفردين وبهذا قال الشافعي في الجديد وقال مالك لا يعتبر اختلاطهم في أول الحول لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع) يعني في وقت أخذ الزكاة ولنا أن هذا مال ثبت له حكم الانفراد, فكانت زكاته زكاة المنفرد كما لو انفرد في آخر الحول والحديث محمول على المجتمع في جميع الحول إذا تقرر هذا فمتى كان لرجلين ثمانون شاة بينهما نصفين, وكانا منفردين فاختلطا في أثناء الحول فعلى كل واحد منهما عند تمام حوله شاة, وفيما بعد ذلك من السنين يزكيان زكاة الخلطة فإن اتفق حولاهما أخرجا شاة عند تمام كل حول على كل واحد منهما نصفها وإن اختلف حولاهما فعلى الأول منهما عند تمام حوله نصف شاة, فإذا تم حول الثاني فإن كان الأول أخرجها من غير المال فعلى الثاني نصف شاة أيضا, وإن أخرجها من النصاب نظرت فإن أخرج الشاة جميعها عن ملكه فعلى الثاني أربعون جزءا, من تسعة وسبعين جزءا من شاة وإن أخرج نصف شاة فعلى الثاني أربعون جزءا من تسعة وسبعين ونصف جزء من شاة. وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد دون صاحبه, ويتصور ذلك بأن يملك رجلان نصابين فيخلطاهما ثم يبيع أحدهما نصيبه أجنبيا أو يكون لأحدهما نصاب منفرد, فيشتري آخر نصابا ويخلطه به في الحال إذا قلنا: اليسير معفو عنه فإنه لا بد أن تكون عقيب ملكها منفردة في جزء, وإن قل أو يكون لأحدهما نصاب وللآخر دون النصاب فاختلطا في أثناء الحول, فإذا تم حول الأول فعليه شاة فإذا تم حول الثاني فعليه زكاة الخلطة على التفصيل الذي ذكرناه ويزكيان فيما بعد ذلك زكاة الخلطة, كلما تم حول أحدهما فعليه من زكاة الجميع بقدر ماله منه فإذا كان المالان جميعا ثمانين شاة فأخرج الأول منها شاة, زكاة الأربعين التي يملكها فعلى الثاني أربعون جزءا من تسعة وسبعين جزءا فإن أخرج الشاة كلها من ملكه, وحال الحول الثاني فعلى الأول نصف شاة زكاة خلطة فإن أخرجه وحده, فعلى الثاني تسعة وثلاثون جزءا من سبعة وسبعين جزءا ونصف جزء من شاة وإن توالدت شيئا حسب معها. وإذا كان لرجل أربعون شاة, ومضى عليها بعض الحول فباع بعضها مشاعا في بعض الحول فقال أبو بكر ينقطع الحول ويستأنفان حولا من حين البيع لأن النصف المشترى قد انقطع الحول فيه, فكأنه لم يجز في حول الزكاة أصلا فلزم انقطاع الحول في الآخر وقال ابن حامد لا ينقطع الحول فيما بقي للبائع لأن حدوث الخلطة لا يمنع ابتداء الحول فلا يمنع استدامته, ولأنه لو خالط غيره في جميع الحول وجبت الزكاة فإذا خالط في بعضه نفسه, وفي بعضه غيره كان أولى بالإيجاب وإنما بطل حول المبيعة لانتقال الملك فيها, وإلا فهذه العشرون لم تزل مخالطة لمال جار في الزكاة وهكذا الحكم فيما إذا علم على بعضها وباعه مختلطا فأما إن أفرد بعضها وباعه فخلطه المشتري في الحال بغنم الأول, فقال ابن حامد ينقطع الحول لثبوت حكم الانفراد في البعض وقال القاضي: يحتمل أن يكون كما لو باعها مختلطة لأن هذا زمن يسير وهكذا الحكم فيما إذا كانت الأربعون لرجلين فباع أحدهما نصيبه أجنبيا فعلى هذا إذا تم حول الأول فعليه نصف شاة, ثم إذا تم حول الثاني نظرنا في البائع فإن كان أخرج الزكاة من غير المال فلا شيء على المشتري لأن النصاب نقص في بعض الحول إلا أن يكون الفقير مخالطا لهما بالنصف الذي صار له, فلا ينقص النصاب إذا ويخرج الثاني نصف شاة وإن كان الأول أخرج الزكاة من غير المال وقلنا: الزكاة تتعلق بالذمة وجب على المشتري نصف شاة وإن قلنا تتعلق بالعين فقال القاضي: يجب نصف شاة أيضا لأن تعلق الزكاة بالعين, لا بمعنى أن الفقراء ملكوا جزءا من النصاب بل بمعنى أنه تعلق حقهم به كتعلق أرش الجناية بالجاني, فلم يمنع وجوب الزكاة وقال أبو الخطاب لا شيء على المشتري لأن تعلق الزكاة بالعين نقص النصاب وهذا الصحيح فإن فائدة قولنا: الزكاة تتعلق بالعين إنما تظهر في منع الزكاة وقد ذكره القاضي في غير هذا الموضع وعلى قياس هذا لو كان لرجلين نصاب خلطة, فباع أحدهما خليطه في بعض الحول فهي عكس المسألة الأولى في الصورة ومثلها في المعنى لأنه كان في الأول خليط نفسه, ثم صار خليط أجنبي وها هنا كان خليط أجنبي ثم صار خليط نفسه ومثله لو كان رجلان متوارثان, لهما نصاب خلطة فمات أحدهما في بعض الحول فورثه صاحبه, على قياس قول أبي بكر لا يجب عليه شيء حتى يتم الحول على المالين من حين ملكه لهما إلا أن يكون أحدهما بمفرده يبلغ نصابا وعلى قياس قول ابن حامد تجب الزكاة في النصف الذي كان له خاصة. إذا استأجر أجيرا يرعي له بشاة معينة من النصاب, فحال الحول ولم يفردها فهما خليطان تجب عليهما زكاة الخلطة وإن أفردها قبل الحول, فلا شيء عليهما لنقصان النصاب وإن استأجره بشاة موصوفة في الذمة صح أيضا, فإذا حال الحول وليس له ما يقتضيه غير النصاب انبنى على الدين, هل يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة؟ وسنذكره فيما بعد - إن شاء الله تعالى- . قال: ( وتراجعوا فيما بينهم بالحصص ) قد ذكرنا أن الخلطاء تؤخذ الصدقة من أموالهم كما تؤخذ من مال الواحد وظاهر كلام أحمد أن الساعي يأخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء, سواء دعت الحاجة إلى ذلك بأن تكون الفريضة عينا واحدة لا يمكن أخذها من المالين جميعا أو لا يجد فرضهما جميعا إلا في أحد المالين, مثل أن يكون مال أحدهما صحاحا كبارا ومال خليطه صغارا أو مراضا فإنه تجب صحيحة كبيرة, أو لم تدع الحاجة إلى ذلك بأن يجد فرض كل واحد من المالين فيه قال أحمد إنما يجيء المصدق فيجد الماشية فيصدقها, ليس يجيء فيقول: أي شيء لك؟ وإنما يصدق ما يجده والخليط قد ينفع وقد يضر قال الهيثم بن خارجة لأبي عبد الله أنا رأيت مسكينا كان له في غنم شاتان فجاء المصدق فأخذ إحداهما والوجه في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (ما كان من خليطين, فإنهما يتراجعان بالسوية) وقوله: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) وهما خشيتان: خشية رب المال من زيادة الصدقة, وخشية الساعي من نقصانها فليس لأرباب الأموال أن يجمعوا أموالهم المتفرقة التي كان الواجب في كل واحد منها شاة ليقل الواجب فيها, ولا أن يفرقوا أموالهم المجتمعة التي كان فيها باجتماعها فرض ليسقط عنها بتفرقتها, وليس للساعي أن يفرق بين الخلطاء لتكثر الزكاة ولا أن يجمعها إذا كانت متفرقة لتجب الزكاة, ولأن المالين قد صارا كالمال الواحد في وجوب الزكاة فكذلك في إخراجها ومتى أخذ الساعى الفرض من مال أحدهما رجع على خليطه بقدر قيمة حصته من الفرض, فإذا كان لأحدهما ثلث المال وللآخر ثلثاه فأخذ الفرض من مال صاحب الثلث, رجع بثلثي قيمة المخرج على صاحبه وإن أخذه من الآخر رجع على صاحب الثلث بثلث قيمة المخرج والقول قول المرجوع عليه مع يمينه إذا اختلفا, وعدمت البينة لأنه غارم فكان القول قوله كالغاصب إذا اختلفا في قيمة المغصوب بعد تلفه.
|